فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (110):

قوله تعالى: {لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان ما تقدم غير قاطع في إخرابه لما ثبت للمساجد من الحرمة، استأنف الإخبار عن أنه لا يعد في عداد المساجد بوجه، وإنما هو في عداد بيوت الأصنام فهو واجب الإعدام فقال: {لا يزال بنيانهم} أي نفس المبنى وهو المسجد {الذي بنوا ريبة} أي شكًا ونفاقًا {في قلوبهم} كما أن بيوت الأصنام كذلك لأهلها، فكان ذلك حثًا على إخرابه ومحوه وقطع أثره.
والمعنى أنه جامع لهم على الريبة في كل زمان يمكن أن يكون {إلا أن} ولما كان القطع محصلًا للمقصود من غير نظر إلى قاطع معين، قال بانيًا للمفعول: {تقطع قلوبهم} أي إلا زمان يوجد فيه القطع البليغ الكثير لقلوبهم وعزائمهم ويباعد بينهم ويفرق شملهم بإخراجه، وقراءة يعقوب بـ {إلى} الجارة واضحة في المراد، أو يكون المراد أنه لايزال حاملًا لهم على التصميم على النفاق إلى أن يموتوا، فهو كناية عن عدم توبتهم.
ولما كان التقدير: فالله عليم بما أخبركم به فلا تشكوا فيه، عطف عليه تعميمًا للحكم وتعظيمًا للأمر قوله: {والله} أي الذي له الإحاطة بكل شيء {عليم} أي بالغ العلم بكل معلوم {حكيم} فهو يتقن ما يأمر به. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الذي بَنَوْاْ رِيبَةً في قُلُوبِهِمْ}
والمعنى: أن بناء ذلك البنيان صار سببًا لحصول الريبة في قلوبهم، فجعل نفس ذلك البنيان ريبة لكونه سببًا للريبة.
وفي كونه سببًا للريبة وجوه: الأول: أن المنافقين عظم فرحهم ببناء مسجد الضرار، فلما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتخريبه ثقل ذلك عليهم وازداد بغضهم له وازداد ارتيابهم في نبوته.
الثاني: أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما أمر بتخريب ذلك المسجد ظنوا أنه إنما أمر بتخريبه لأجل الحسد، فارتفع أمانهم عنه وعظم خوفهم منه في كل الأوقات، وصاروا مرتابين في أنه هل يتركهم على ما هم فيه أو يأمر بقتلهم ونهب أموالهم؟ الثالث: أنهم اعتقدوا أنهم كانوا محسنين في بناء ذلك المسجد، فلما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بتخريبه بقوا شاكين مرتابين في أنه لأي سبب أمر بتخريبه؟ الرابع: بقوا شاكين مرتابين في أن الله تعالى هل يغفر تلك المعصية؟ أعني سعيهم في بناء ذلك المسجد، والصحيح هو الوجه الأول.
ثم قال: {إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} وفيه مباحث:
البحث الأول: قرأ ابن عامر وحفص عن عاصم وحمزة {أَن تَقَطَّعَ} بفتح التاء والطاء مشددة بمعنى تتقطع، فحذفت إحدى التاءين، والباقون بضم التاء وتشديد الطاء على ما لم يسم فاعله، وعن ابن كثير {تُقَطَّعَ} بفتح الطاء وتسكين القاف {قُلُوبِهِمْ} بالنصب أي تفعل أنت بقلوبهم هذا القطع، وقوله: {تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} أي تجعل قلوبهم قطعًا، وتفرق أجزاء إما بالسيف وإما بالحزن والبكاء، فحينئذ تزول تلك الريبة.
والمقصود أن هذه الريبة باقية في قلوبهم أبدًا ويموتون على هذا النفاق.
وقيل: معناه إلا أن يتوبوا توبة تنقطع بها قلوبهم ندمًا وأسفًا على تفريطهم.
وقيل حتى تنشق قلوبهم غمًا وحسرة، وقرأ الحسن {إلى أَن} وفي قراءة عبد الله: {وَلَوْ قُطّعَتْ قُلُوبِهِمْ} وعن طلحة {وَلَوْ قُطّعَتْ قُلُوبِهِمْ} على خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم أو كل مخاطب.
ثم قال: {والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} والمعنى: عليم بأحوالهم، حكيم في الأحكام التي يحكم بها عليهم. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الذي بَنَوْاْ رِيبَةً} يعني: مسجد الضرار ريبةً {فِى قُلُوبِهِمْ}، يعني: حسرة وندامة بما أنفقوا فيه، وبما ظهر من أمرهم ونفاقهم.
{إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ}، يعني: لا يزال حسرة في قلوبهم إلى أن يموتوا، لأنهم إذا ماتوا انقطعت قلوبهم.
ويقال: {إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} أي في القبر.
قرأ حمزة وابن عامر وعاصم في رواية حفص {إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ} بالنصب فيكون الفعل للقلوب، يعني: إلاَّ أنْ تَتَقَطعَ قلوبهم وتتفرق، والباقون بالرفع على فعل ما لم يسم فاعله {والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} بهدم مسجدهم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الذي بَنَوْاْ رِيبَةً} شكًّا ونفاقًا {فِي قُلُوبِهِمْ} يحسبون أنهم كانوا ببنائه محسنين كما حبب العجل إلى قوم موسى.
قال ابن عباس: شكًا ونفاقًا، وقال الكلبي: حبّبه وزيّنه لأنّهم زعموا أنهم لا يتبعونه، وقال السدي وحبيب والمبرد: لأنّ الله هدم بنيانهم الذي بنوا حزازة في قلوبهم {إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} تتقطع قلوبهم فيموتوا كقوله تعالى: {لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين} [الحاقة: 46] لأن الحياة تنقطع بانقطاع القلب.
وقرأ الحسن ويعقوب وأبو حاتم: إلى أن تقطع، خفيفة على الغاية، يدل عليه تفسير الضحاك وقتادة، لا يزالون في شك منهم إلى أن يموتوا فيستيقنوا ويتبيّنوا.
واختلف القُراء في قوله: {تَقَطَّعَ}.
قال أبو جعفر وشيبة وابن عامر وحمزة والمفضل وحفص: تقطع بفتح التاء والطاء مشددًا، يعني تقطع ثم حذفت إحدى التائين، وقرأ يحيى بن كثير ومجاهد ونافع وعاصم وأبو عمرو والكسائي {تُقَطَّعَ} بضم التاء وتشديد الطاء على غير تسمية الفاعل وهو اختيار أبي عبيدة وأبي حاتم، قرأ يعقوب {قَطَعَ} بضم التاء خفيفة من القطع.
وروي عن ابن كثير {تقطع} بفتح التاء خفيفة {قُلُوبُهُمْ} نصبًا أي تفعل أنت ذلك بهم، وقرأ ابن مسعود والأعمش ولو قطعت قلوبهم.
{والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عزوجل: {لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ} يعني مسجد الضرار.
{رِيبَةً فِي قُلُوبِهِم} فيه قولان:
أحدهما: أن الريبة فيها عند بنائه.
الثاني: أن الريبة عند هدمه.
فإن قيل بالأول ففي الريبة التي في قلوبهم وجهان:
أحدهما: غطاء على قلوبهم، قاله حبيب بن أبي ثابت.
الثاني: أنه شك في قلوبهم، قاله ابن عباس وقتادة والضحاك، ومنه قول النابغة الذبياني:
حَلَفْتُ فلم أترك لنَفْسِكَ ريبة ** وليس وراءَ الله للمرءِ مذهب

ويحتمل وجهًا ثالثًا: أن تكون الريبة ما أضمروه من الإضرار برسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
وإن قيل بالثاني أن الريبة بعد هدمه ففيها وجهان:
أحدهما: أنها حزازة في قلوبهم، قاله السدي.
الثاني: ندامة في قلوبهم، قاله حمزة.
ويحتمل وجهًا ثالثًا: أن تكون الريبة الخوف من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن المؤمنين.
{إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: إلا أن يموتوا، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك.
الثاني: إلا أن يتوبوا، قاله سفيان.
الثالث: إلا أن تقطع قلوبهم في قبورهم، قاله عكرمة. وكان أصحاب ابن مسعود يقرأُونها: {وَلَوْ تَقَطَّعَتْ قُلُوبُهُمْ}. اهـ.

.قال ابن عطية:

{لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ}
الضمير في {بنيانهم} عائد على المنافقين البانين للمسجد ومن شاركهم في غرضهم، وقوله: {الذي بنوا} تأكيد وتصريح بأمر المسجد ورفع للإشكال، والريبة الشك، وقد يسمى ريبة فساد المعتقد واضطرابه والاعتراض في الشيء والتحفظ فيه والحزازة من أجله وإن لم يكن شكًا، فقد يرتاب من لا يشك، ولكنها في معتاد اللغة تجري مع الشك، ومعنى الريبة في هذه الآية أمر يعم الغيظ والحنق ويعم اعتقاد صواب فعلهم ونحو هذا مما يؤدي كله إلى الريبة في الإسلام، فمقصد الكلام لا يزال هذا البنيان الذي هدم لهم يبقى في قلوبهم حزازة وأثر سوء، وبالشك فسر ابن عباس الريبة هنا، وفسرها السدي بالكفر، وقيل له أفكفر مجمع بن جارية؟ قال: لا ولكنها حزازة.
قال القاضي أبو محمد: ومجمع رحمه الله قد أقسم لعمر أنه ما علم باطن القوم ولا قصد سوءًا، والآية إنما عنت من أبطن سوءًا فليس مجمع منهم، ويحتمل أن يكون المعنى لا يزالون مريبين بسبب بنائهم الذي اتضح فيه نفاقهم، وجملة هذا أن الريبة في الآية تعم معاني كثيرة يأخذ كل منافق منها بحسب قدره من النفاق، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي {إلا أن تُقطع قلوبهم} بضم التاء وبناء الفعل للمفعول، وقرأ ابن عامر وحمزة وعاصم بخلاف عن {إلا أن تَقطع} بفتح التاء على أنها فاعلة، وقرأ الحسن بن أبي الحسن ومجاهد وقتادة ويعقوب: {إلى أن تقطع} على معنى إلى أن يموتوا، وقرأ بعضهم: {إلى أن تقطع} وقرأ أبو حيوة {إلا أن يُقطِع} بالياء مضمومة وكسر الطاء ونصب القلوبَ أي بالقتل، وأما على القراءة الأولى فقيل بالموت قاله ابن عباس وقتادة وابن زيد وغيرهم، وقيل، بالتوبة وليس هذا بالظاهر إلا أن يتأول: أو يتوبوا توبة نصوحًا يكون معها من الندم والحسرة على الذنب ما يقطع القلوب همًا وفكرة، وفي مصحف ابن مسعود {ولو قطعت قلوبهم}، وكذلك قرأها أصحابه وحكاها أبو عمرو {وان قطَعت} بتخفيف الطاء، وفي مصحف أبيّ {حتى الممات} وفيه {حتى تقطع}. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {لا يزال بنيانهم} يعني مسجد الضرار {الذي بَنَوْا ريبة في قلوبهم} وفيها ثلاثة أقوال:
أحدها: شكًّا ونفاقًا، لأنهم كانوا يحسبون أنهم محسنون في بنائه، قاله ابن عباس، وابن زيد.
والثاني: حسرة وندامة، لأنهم ندموا على بنائه، قاله ابن السائب ومقاتل.
والثالث: أن المعنى: لا يزال هدم بنيانهم حزازة وغيظًا في قلوبهم، قاله السدي، والمبرِّد.
قوله تعالى: {إلا أن تقطَّع قلوبهم} قرأ الأكثرون: {إلا} وهو حرف استثناء.
وقرأ يعقوب {إلى أن} فجعله حرف جر.
وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {تُقَطَّع} بضم التاء.
وقرأ ابن عامر، وحمزة، وحفص عن عاصم: {تَقَطَّع} بفتح التاء.
ثم في المعنى قولان:
أحدهما: إلا أن يموتوا، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة في آخرين.
والثاني: إلا أن يتوبوا توبة تتقطع بها قلوبهم ندمًا وأسفًا على تفريطهم، ذكره الزجاج. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الذي بَنَوْاْ} يعني مسجد الضرار.
{رِيبَةً} أي شكا في قلوبهم ونفاقًا؛ قاله ابن عباس وقتادة والضحاك.
وقال النابغة:
حلفتُ فلم أترك لنفسك رِيبةً ** وليس وراء الله للمرء مَذْهَبُ

وقال الكلبي: حسرة وندامة؛ لأنهم ندِموا على بنيانه.
وقال السُّدِّي وحبيب والمبرّد: {رِيبة} أي حزازة وغيظًا.
{إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} قال ابن عباس: أي تنصدع قلوبهم فيموتوا؛ كقوله: {لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين} [الحاقة: 46] لأن الحياة تنقطع بانقطاع الوتين؛ وقاله قتادة والضحاك ومجاهد.
وقال سفيان: إلا أن يتوبوا.
عكرمة: إلا أن تقطع قلوبهم في قبورهم، وكان أصحاب عبد الله بن مسعود يقرؤونها: ريبة في قلوبهم ولو تقطعت قلوبهم.
وقرأ الحسن ويعقوب وأبو حاتم {إلى أن تقطع} على الغاية أي لا يزالون في شك منه إلى أن يموتوا فيستيقنوا ويتبينوا.
واختلف القراء في قوله: {تَقَطّع} فالجمهور {تُقَطَّعَ} بضم التاء وفتح القاف وشد الطاء على الفعل المجهول.
وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص ويعقوب كذلك إلا أنهم فتحوا التاء.
وروي عن يعقوب وأبي عبد الرحمن {تُقْطَع} على الفعل المجهول مخفف القاف.
وروي عن شبْل وابن كثير {تَقْطع} خفيفة القاف {قُلُوبهم} نصبًا، أي أنت تفعل ذلك بهم.
وقد ذكرنا قراءة أصحاب عبد الله.
{والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} تقدم. اهـ.